تقارير

العملات المشفرة والرهائن.. كيفية تمويل الإرهاب في أفريقيا؟

يُعد التمويل هو العصب الرئيس للجماعات المتطرفة لدعم عملياتها، ويضمن لهم استمرار أنشطتها الإرهابية، ويحتاج الإرهابيون إلى المال لممارسة نشاطهم. فبدون تمويل، لا يمكنهم شراء الأسلحة أو المعدات أو الإمدادات أو الخدمات.

الإرهابيين وجمع الأموال

وكشفت دراسة لمركز فاروس للدراسات الاستراتيجية والمتخصص في الشئون الأفريقية، أن مصدر أموال الإرهابيين مشروعًا أو غير مشروع، وغالبًا ما يتخذ التمويل شكل تبرعات صغيرة متعددة، وليس مبلغًا واحدًا كبيرًا من المال. وتعتبر ظاهرة تمويل الإرهاب ظاهرة عالمية لا تهدد أمن الدول الأعضاء فحسب، بل يمكن أيضًا أن تقوض التنمية الاقتصادية واستقرار الأسواق المالية. ولذلك، فمن المهم للغاية وقف تدفق الأموال إلى الإرهابيين.

وأوضحت على الرغم من أن عدد وطابع الجماعات والتهديدات الإرهابية يتغيران بمرور الوقت، فإن احتياج الإرهابيين الأساسي لجمع الأموال ونقلها واستخدامها يظل كما هو دون تغيير. وتُجمَع الأموال من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، تشمل – على سبيل المثال لا الحصر – إساءة استخدام المشروعات التجارية المشروعة، واستغلال الموارد الطبيعية، وإساءة استخدام المنظمات غير الربحية، ومواقع التمويل الجماعي. وقد يكون الإرهابيون والجماعات الإرهابية أيضًا على صلة بالجماعات الإجرامية المنظمة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد ينخرطون في أنشطة إجرامية، منها الإتجار بالمخدرات أو الأسلحة، والإتجار بالأشخاص، والابتزاز، والاختطاف للحصول على فدية. ويساور الدول قلق متزايد إزاء إساءة استخدام الإرهابيين للإنترنت وغيرها من التكنولوجيات الحديثة لجمع الأموال ونقلها، بما في ذلك من خلال العملات الافتراضية. وتوفر تدابير التعقب وتحليلات الاستخبارات المالية معلومات رئيسية عن الشبكات الإرهابية وصلاتها بفرادى الإرهابيين، بمن فيهم المقاتلون الإرهابيون الأجانب.

 تمويل التنظيمات المتطرفة

وبحسب الدراسة، تتنوع مصادر تمويل التنظيمات المتطرفة منها تحويل الأموال للعصابات الإجرامية التي تقوم بخطف المدنيين وطلب الفدية، وجمع التبرعات والتمويل الخفي عبر الإنترنت، كذلك امتلاكهم عملات رقمية مشفرة تصل قيمتها إلى مئات ملايين الدولارات؛ حيث إن فرض الرقابة الشديدة على الشركات المالية الخاصة ومتابعة اصولها المالية من شأنها أن تعمل على تجفيف مصادر التمويل ومكافحة الإرهاب.[1]

وقالت الدكتورة سالي محمد فريد، أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم السياسة بكلية الدراسات الأفريقية العليا – جامعة القاهرة، في نص الدراسة، إن المنظَّمات الإرهابية تستمد المواردَ المالية من مجموعة كثيرة من المصادر التقليدية والمستحدَثة، بدءًا من الموارد الموسَّعة القائمة على السيطرة الإقليمية، والاختطاف مقابل فِدًى، إلى جانب التبرُّعات الصغيرة من المؤيِّدين في جميع أنحاء العالم. وقد قامت الجماعاتُ الإرهابية بتنويع مصادر تمويلها باطِّراد على مدى العقود القليلة الماضية.

ويشمل أحدُ جوانب هذا التنويع التوسُّع في جمع التبرُّعات، مثل مِنصَّات التبرُّع التقليدية في الإنترنت، ووسائل التواصُل الاجتماعي، وحديثًا بواسطة العُملات الرَّقْمية المشفَّرة وغيرها من الوسائل. وقد دفعَ الانتشار العالميُّ لوباء كورونا الجماعاتِ الإرهابيةَ إلى زيادة استخدامها للخِدْمات المالية والأصول الافتراضية في الإنترنت. ومع ذلك فإنَّ الجماعاتِ الإرهابيةَ لا تزال واسعةَ الحيلة، عندما يتعلَّق الأمر بجمع التبرُّعات في الإنترنت.[2]

العملات المشفرة

وقد تجاوز إجماليُّ سقف السوق للعُملة المشفَّرة تريليوني دولار أمريكي في 5 أبريل 2021. أكثرُ ما يهمُّنا في هذا الجانب هو استخدامُ الإرهابيين للعُملات المشفَّرة؛ ففي 13 أغسطس 2020 أعلنت وِزارةُ العدل الأمريكية أنَّ سلطات مكافحة الإرهاب فكَّكَت سلسلةً من حمَلات جمع التبرُّعات المتطوِّرة عبر الإنترنت، تُديرها ثلاث منظمات إرهابية مصنَّفة من قِبَل الولايات المتحدة. ويؤكِّد إسقاطُ هذه الشبكات مَواطنَ ضعفها، ويتيح دروسًا مهمَّة للمحاولات المستقبلية لمكافحة تمويل الإرهاب في الإنترنت. وكانت اثنتان من هذه الحمَلات تتلقَّى تبرُّعات بعُملة «بيتكوين» منذ عام 2019 على الأقل، وتتعلَّق الحالةُ الثالثة بموقع مزيَّف على شبكة الإنترنت، أُنشئَ مع بداية ظهور جائحة كورونا (كوفيد 19) من قِبَل وسيطٍ ماليٍّ مزعوم لتنظيم داعش وقرصان (هاكر) تركي، وادَّعى الموقع أنه مخصَّص لبيع مُعَدَّات الحماية الشخصية من جائحة كورونا، مثل أقنعة N95 الطبِّية.[3]

ورصدَت مجموعةُ Ghost Security Group، المتخصِّصة في مكافحة الإرهاب والقرصنة، سلسلةً من المعاملات لمحافظ «بيتكوين»، يُعتقَد أنها مملوكة لتنظيم داعش، تحتوي على مبالغَ تراوح بين 4.7 مليون دولار و15.7 مليون دولار، أي ما بين واحدٍ إلى ثلاثة في المئة من دخلهم السنوي المقدَّر. وذكرت المجموعةُ لشبكات الأخبار أنَّ تنظيم داعش يستخدم «البيتكوين» على نطاق واسع لتمويل عملياته. وفي عام 2015 ذكر أنَّ محفظة «بيتكوين» يُعتقَد أنها تخصُّ داعش، تلقَّت نحو 23 مليون دولار في شهر واحد.[4]

هناك عدة مصادر تعتمد عليها الجماعات المتطرفة بتمويل أنشطتها، فهناك الوسائل التقليدية والتي ما زالت تستعمل كنقل الأموال عبر الحدود في السيارات أو الشاحنات أو البواخر وشراء العقارات الفاخرة، وهناك طرق حديثة عن طريق شركات التأمين والجمعيات الخيرية والمؤسسات المصرفية. وتتمثل هذه المصادر فيما يلي:

بيع النفط والآثار المسروقة

ساهم في تمويل الجماعات الإرهابية انتعاش الأسواق السوداء، حيث تقوم التنظيمات الإرهابية ببيع النفط والآثار المسروقة في الأسواق السوداء بأثمان رخيصة مما أدى إلى زيادة الطلب عليها، وبالتالي حصول التنظيمات على أموال ضخمة تستعمل في شراء الأسلحة والمعدات الحربية. وتمتلك مناطق شمال شرق سوريا على أكبر نسبة من آبار النفط، ولذلك فإن عناصر الجماعات الإرهابية تقوم بسرقة خطوط الإمداد وفرض ضرائب على المستثمرين في حقول النفط هناك.

عمليات تحرير الرهائن ودفع الفدية

يتم تمويل الإرهاب عن طريق اختطاف الرهائن وطلب دفع الفدية عن طريق الدول التي ينتمي إليها المختطفون، وقد تصل الفدية ملايين الدولارات، وعادة ما تطلب التنظيمات المتطرفة الإرهابية وسيلة لنقل الأموال لدول أخرى، لتستخدمها في التدريب وتجنيد أعضاء جدد، وشراء الأسلحة والعتاد.

سرقة المواشي

اتجه تنظيم “داعش” بعد هزيمته إلى مصادر تمويل أخرى بينها قتل الرعاة وسرقة ماشيتهم، تستخدم الأموال في دفع رواتب عناصر “داعش” والمهربين وشراء البضائع، وأحيانًا السلاح.
الجمعيات الخيرية والتبرعات: أدركت الحكومات مخاطر استخدام الجماعات المتطرفة للجمعيات الخيرية والربحية باعتبارها مصدرًا لتمويل الإرهاب.

الحوالات البنكية وتهريب العملات

يتم ذلك من خلال وضع الأموال في حساب جاري في أحد البنوك ويتم نقلها إلى حساب آخر، من خلال حركات متعددة ومتشابكة، بحيث يصعب معها التمييز بين الأموال النظيفة والمغسولة، أو يتم نقل الأموال عن طريق الحوالات البنكية. وعلى ذلك أجمعت كل الجهود الدولية المبرمة في هذا الخصوص على ضرورة مراقبة هوية المحولين والمحول إليهم المال، وذلك لتتبع مصدر هذه الأموال ومسارها. في 17 اكتوبر 2022 تم ثبوت تهمة تمويل ودعم شركة “لافارج” الفرنسية لتنظيم “داعش”. كما كشفت وثائق مصرفية مسرّبة في الأول من أكتوبر 2022 عن تحويلات مالية مشبوهة تتجاوز الأربعة مليار دولار أمريكي.

العملات المشفرة

أصبح الممولين المتطرفين من خلال خطط دفع الأموال عبر الإنترنت والطبيعة اللامركزية للعملات المشفرة، في وضع يسمح لهم ببناء شبكات كبيرة ومعقدة، والتي بدأت وكالات مكافحة تمويل الإرهاب في جميع أنحاء العالم في الانتباه إليها.

 آثار تمويل الإرهاب وغسل الأموال في أفريقيا

إن لظاهرة تمويل الإرهاب وغسل الأموال آثارٌ سلبية في الاقتصاد الكلِّي، فانتشارها في اقتصاد ما يُضعف قدرة السلطات على تنفيذ السياسات الاقتصادية الكلية بكفاية، وذلك لضعف مصداقية البيانات والإحصاءات الاقتصادية المتاحة، في ظل عدم القدرة على القياس والتنبُّؤ بحجم هذه العمليات. إضافة لذلك فإن التقلبات الشديدة في حركة الأموال والودائع والتدفقات المصاحبة لعمليات غسل الأموال تؤثر في استقرار السوق النقدية وسوق الصرف الأجنبي، ولا ينبغي إهمال أثر غسل الأموال والأنشطة الإجرامية المرتبطة به في حصول اضطراب في توزيع الموارد والثروة في الاقتصاد. ومن الآثار السلبية لظاهرة غسل الأموال ازدهارُ الأنشطة الممنوعة كتجارة المخدِّرات والفساد الإداري والمالي وغيرها، وهي تسهم في تدمير البيئة الاجتماعية والأخلاقية للأمم.

وتؤدي تداعيات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح (أي تقديم الأموال أو الخدمات المالية لشراء الأسلحة النووية أو الكيماوية أو البيولوجية)، وكذلك الجرائم ذات الصلة إلى ضعف القطاع المالي والاقتصاد على وجه العموم. ويمكن لهذه الأنشطة أن تجعل البلدان أقل استقرارًا، مما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تقويض القانون والنظام، والحوكمة وفعالية التنظيم، والاستثمارات الأجنبية، وتدفقات رؤوس الأموال الدولية.

لا ينبغي النظر إلى جهود مكافحة غسل الأموال ومقاومتها على أنها تخصُّ أجهزة مكافحة الجريمة فقط، بل يجب النظر إليها على أنها ذات أهمية عامَّة لتحقيق الاستقرار المالي. وقد برزت أهمية ذلك في السنوات الماضية في ظل النمو السنوي الكبير في عمليات غسل الأموال التي تُنفَّذ عبر النظام المالي والمصرفي في العالم.ة لتلك الدول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى