
في الوقت الذي يسعى فيه آلاف الشباب، خصوصًا في الدول النامية، للهروب من واقعهم الصعب عبر الهجرة غير الشرعية، يستغل آخرون هذه المعاناة لبناء ثروات طائلة على حساب آلام هؤلاء الذين يبحثون عن أمل جديد.
أصبح تجار الهجرة غير الشرعية، أو ما يعرفون بـ “سماسرة الموت”، شبكات إجرامية منظمة تدير نشاطًا ضخمًا يمتد عبر الحدود ويهدد حياة العديد من البشر.
شبكات عالمية في الخفاء
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” في 17 مارس 2025، أصبحت تجارة الهجرة غير الشرعية أكثر من مجرد عمليات فردية، بل تحولت إلى شبكات دولية لديها أدوات خاصة للتنسيق بين الدول، مستفيدة من الثغرات الأمنية وضعف الرقابة في بعض المناطق الحدودية.
تمتد هذه الشبكات من القرى الصغيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وصولاً إلى المدن الساحلية التي تُعد نقاط انطلاق رئيسية لقوارب الهجرة غير الشرعية المتجهة إلى أوروبا أو أمريكا الشمالية، وفق تقرير لشبكة رؤية الإخبارية.
تقوم هذه الشبكات بإغراء المهاجرين بوعود كاذبة عن حياة أفضل في الجانب الآخر، وتطلب منهم مبالغ ضخمة مقابل تهريبهم عبر البحر أو البر، في ظروف تفتقر إلى أدنى معايير الأمان والسلامة. ورغم التحذيرات المتكررة من مخاطر هذا الطريق، يواصل العديد الإقبال عليه بسبب الفقر، البطالة، والأزمات السياسية.
مليارات الدولارات سنويًا
تشير التقديرات الدولية إلى أن تجار الهجرة غير الشرعية يحققون مليارات الدولارات سنويًا، وتُعد هذه التجارة من الأنشطة الإجرامية الأكثر ربحًا على مستوى العالم، جنبًا إلى جنب مع تجارة المخدرات والأسلحة. في كثير من الأحيان، تتجاوز تكلفة الرحلة الواحدة التي يدفعها المهاجر لعصابات التهريب عشرة آلاف دولار، خصوصًا في الطرق التي يُعتقد أنها “أكثر أمانًا”، رغم أن الواقع يكشف عكس ذلك.
الأرباح التي تجنيها هذه العصابات تُستخدم لتمويل أنشطة إجرامية أخرى مثل تجارة البشر والاتجار بالأعضاء، مما يجعل الهجرة غير الشرعية قضية أمنية وإنسانية معًا.
ضحايا بلا حقوق
الجانب الإنساني في هذه القضية مؤلم، حيث يلقى الآلاف حتفهم سنويًا غرقًا في البحر، أو اختناقًا في شاحنات مغلقة، أو جوعًا وعطشًا في الصحاري. أما الذين ينجحون في الوصول إلى وجهاتهم، غالبًا ما يجدون أنفسهم في وضع قانوني هش، مهددين بالترحيل أو الاستغلال من أصحاب العمل بسبب نقص تصاريح الإقامة أو العمل.
رغم المخاطر، يظل الأمل في حياة كريمة هو الدافع الأقوى للكثيرين، ما يجعلهم فريسة سهلة لتجار الهجرة غير الشرعية الذين يتقنون استغلال أحلام الناس لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
دور الحكومات والمجتمع الدولي
على الرغم من تشديد العديد من الدول لإجراءاتها الأمنية وتكثيف حملاتها لمكافحة هذه العصابات، لا تزال التحديات قائمة نظرًا لتعقيد الشبكات ومرونتها في التكيف مع الظروف المختلفة.
ومن هنا تكمن أهمية التعاون الدولي بين أجهزة الأمن والعمل على معالجة جذور المشكلة مثل الفقر، البطالة، النزاعات المسلحة، وتوفير قنوات هجرة شرعية وآمنة. كما يلعب دور التوعية أهمية كبيرة في تحذير الشباب من الوقوع في فخ هذه العصابات، بالإضافة إلى دور وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في تسليط الضوء على هذه الجرائم.
معاناة البشر
في النهاية، يبقى تجار الهجرة غير الشرعية أحد أبرز المستفيدين من معاناة البشر، يحققون ثروات ضخمة من دموع وآلام الباحثين عن حياة أفضل. بينما تتواصل الجهود لوقف هذا النزيف الإنساني، يبقى الحل الجذري في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول المصدرة للهجرة وفتح أفق جديد أمام الشباب بعيدًا عن مخاطر البحر والحدود.