
مع التقدم السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح تنفيذ عمليات الاحتيال الإلكتروني أسهل من أي وقت مضى، في حين أن اكتشاف هذه العمليات والتصدي لها أصبح أكثر صعوبة.
يحذر أرنود لومير من شركة “F5” الأمريكية المتخصصة في الأمن السيبراني من أن هذه الأدوات المتطورة أصبحت سلاحًا قويًا في يد المحتالين، مما يشكل تحديات كبيرة على الأفراد والشركات والحكومات.
عمليات احتيال
ذكرت صحيفة “مونت كارلو” في تقرير نشر يوم الاثنين 10 فبراير 2025، عن حادثة أثارت جدلاً في الإعلام الفرنسي، حيث تعرضت سيدة لعملية احتيال كلفتها 830 ألف يورو بعد أن خدعها محتال باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ليظهر كأنه النجم العالمي براد بيت. استخدم المحتال أدوات الذكاء الاصطناعي لتزوير هويته، مما جعله يبدو مقنعًا جدًا، وهو ما جعل الضحية تقع بسهولة في فخ الاحتيال. هذه الواقعة تسلط الضوء على قدرة الذكاء الاصطناعي في استغلال ثقة الناس بالمشاهير، عبر إنشاء صور وفيديوهات مزيفة يصعب تمييزها عن الحقيقة.
الشركات ليست في مأمن من المخاطر
الاحتيال الإلكتروني لا يستهدف الأفراد فقط، بل يشمل أيضًا الشركات الكبرى. ففي عام 2024، تعرضت شركة كبيرة في هونغ كونغ لعملية احتيال ضخمة تكلفت 26 مليون يورو. تمكن المحتالون من خداع موظف مالي في الشركة من خلال مكالمة فيديو وهمية استخدموا فيها تقنية “التزييف العميق” (Deepfake) لتقديم أنفسهم على أنهم الرئيس التنفيذي وفريق العمل. هذه الحادثة تُظهر كيف أن الذكاء الاصطناعي يمكنه إنشاء محتوى مرئي مزيف يبدو حقيقيًا تمامًا، مما يجعل من الصعب اكتشاف هذه الخدع حتى من قبل الموظفين ذوي الخبرة، حسب شبكة رؤية الإخبارية.
التزييف العميق بتكلفة منخفضة
كشف ستيف غروبمان، المدير الفني لشركة “مكافي”، عن تجربة صادمة حيث تمكّن باحث من استبدال وجهه بوجه نجم هوليوود “توم كروز” باستخدام تقنية التزييف العميق، بتكلفة لم تتجاوز 5 يورو فقط. وأشار جروبمان إلى أن “أحدث جيل من برامج التزييف العميق أصبح متقدمًا لدرجة يصعب معها التمييز بين الصور الحقيقية وتلك التي تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي”. وهذا التطور يعني أن تكلفة الاحتيال أصبحت منخفضة، في حين تزداد المخاطر التي يشكلها المحتالون بشكل غير مسبوق.
الذكاء الاصطناعي لمكافحة الاحتيال
رغم المخاطر التي تترتب على الذكاء الاصطناعي، يرى الخبراء أنه يمكن استخدام نفس التكنولوجيا لمكافحة الاحتيال. فبعض المؤسسات تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف عن السلوكيات المشبوهة وتحديد الصور والفيديوهات المزيفة. على سبيل المثال، أعلنت شركة “جوجل” عن وضع علامات مائية رقمية على الصور المعدلة باستخدام أداة “ماجيك إيديتور” المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ورغم أهمية هذه الخطوة، يؤكد الخبراء أنها غير كافية بمفردها لمكافحة التزييف العميق والاحتيال الإلكتروني.
أرقام مقلقة
تُظهر الإحصائيات حجم التحديات المتزايدة في مواجهة الاحتيال الإلكتروني، فقد سجلت فرنسا وحدها أكثر من 130 ألف عملية احتيال عبر الإنترنت في عام 2023، وفقًا لبيانات وزارة الداخلية الفرنسية. هذا الرقم يعكس تصاعد الظاهرة بشكل كبير، مما يستدعي تطوير أدوات أكثر كفاءة لمكافحة هذه الأنشطة الإجرامية، سواء من خلال التكنولوجيا الحديثة أو عبر التعاون الدولي لمواجهة الجرائم السيبرانية.
بينما يقدم الذكاء الاصطناعي إمكانيات غير محدودة لتحسين حياتنا اليومية، فإنه أصبح أيضًا أداة قوية في يد المحتالين. ومن هنا، تتطلب مواجهة هذه التهديدات تعزيز التعاون بين الحكومات، والشركات التقنية، والخبراء في الأمن السيبراني لتطوير حلول مبتكرة قادرة على اكتشاف الاحتيال قبل وقوع ضحاياه. فالمعركة بين المحتالين والمدافعين عن الأمان الرقمي أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.