تعد صناعة أشباه الموصلات واحدة من أكثر القطاعات التقنية حيوية في العالم، إذ تشكل الركيزة الأساسية لمعظم الصناعات الحديثة، من الإلكترونيات الاستهلاكية إلى الذكاء الاصطناعي والأنظمة الدفاعية.
ومع تصاعد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت هذه الصناعة محورًا رئيسًا للصراع، إذ تعمل واشنطن على تقويض طموحات بكين في هذا المجال، حسب شبكة رؤية الإخبارية.
قلب التكنولوجيا الحديثة
أشباه الموصلات هي رقائق إلكترونية صغيرة تستخدم في تصنيع الأجهزة الإلكترونية والرقمية، تعتمد الهواتف الذكية، الحواسيب، السيارات الكهربائية، وحتى الأنظمة العسكرية، بشكل أساسي على هذه الرقائق.
السيطرة على إنتاج وتطوير أشباه الموصلات تعني الهيمنة على الثورة التكنولوجية القادمة، إلا أن الصين، التي تطمح إلى أن تكون لاعبًا رئيسًا في هذا المجال، لا تزال تعتمد على واردات الرقائق المتقدمة من الشركات الغربية والآسيوية، خاصة من تايوان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. هذا الاعتماد يمنح واشنطن نفوذًا كبيرًا في فرض قيود قد تعيق تقدم الصين التكنولوجي.
لماذا تستهدف أمريكا الصين؟
بحسب صحيفة “ساوث اتشينا مورنينج بوست” في تقرير نشر الاثنين 2 ديسمبر 2024، تدرك الولايات المتحدة أن التكنولوجيا هي المفتاح للهيمنة العالمية في القرن الحادي والعشرين، مع بروز الصين كمنافس اقتصادي وعسكري، ترى واشنطن في تفوق بكين التكنولوجي تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاستراتيجية، استهداف صناعة أشباه الموصلات الصينية يهدف إلى الحد من قدرة الصين على تطوير تقنيات متقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، التي يمكن أن تمنحها التفوق في المستقبل.
تثير المخاوف الأمنية الأمريكية دور الصين في تطوير تقنيات يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، تعتمد الأنظمة الدفاعية المتقدمة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، على رقائق أشباه الموصلات، إذا تمكنت الصين من تحقيق اكتفاء ذاتي في هذا المجال، فقد يؤدي ذلك إلى تحسين قدراتها العسكرية بشكل يهدد التفوق التكنولوجي الأمريكي.
كما تعتبر أشباه الموصلات عصب الاقتصاد الرقمي، الولايات المتحدة، التي تعتمد جزئيًا على سلاسل التوريد القادمة من آسيا، تخشى أن يؤدي تفوق الصين إلى التحكم في سلاسل التوريد العالمية، لذلك، تسعى واشنطن إلى إضعاف المنافس الصيني قبل أن يهيمن على السوق ويعيد تشكيل الاقتصاد العالمي وفقًا لمصالحه.
الإجراءات الأمريكية ضد الصين
فرضت الولايات المتحدة قيودًا صارمة على تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين، بما في ذلك منع الشركات الأمريكية من بيع تقنيات تصنيع الرقائق المتطورة، كما ضغطت واشنطن على حلفائها، مثل اليابان وهولندا، لتقييد صادرات المعدات الخاصة بإنتاج أشباه الموصلات إلى الصين.
عززت واشنطن دعمها لصناعة أشباه الموصلات المحلية من خلال استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وساعدت تايوان وكوريا الجنوبية على توسيع إنتاجهما لتقليل الاعتماد على الصين.
كما تتهم الولايات المتحدة الصين بسرقة الملكية الفكرية من الشركات الأمريكية والغربية لتعزيز قطاع التكنولوجيا لديها، ورداً على ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على الشركات الصينية المتورطة، بما في ذلك شركة “هواوي”، وحظرت تعاملها مع الشركات الأمريكية.
كيف تؤثر القيود على الصين؟
أثرت القيود الأمريكية على خطط الصين لتطوير أشباه الموصلات المتقدمة، ما أجبرها على البحث عن حلول بديلة، تعتمد الشركات الصينية الآن على إنتاج رقائق أقل تطوراً، بينما تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى المعدات والمواد اللازمة لتصنيع الرقائق المتطورة.
ومع ذلك، تعمل الصين على تسريع خططها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة أشباه الموصلات من خلال استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وشراء التقنيات من مصادر غير تقليدية، مثل روسيا ودول أخرى خارج دائرة النفوذ الأمريكي.
صراع يمتد إلى المستقبل
الصراع على أشباه الموصلات بين الولايات المتحدة والصين هو أكثر من مجرد منافسة اقتصادية‘ إنه معركة استراتيجية لتحديد من سيقود العالم في العصر الرقمي.
وبينما تحاول واشنطن احتواء طموحات بكين، تستثمر الصين بشكل غير مسبوق لتحقيق استقلالية تقنية، مما يجعل هذا الصراع واحداً من أبرز معارك الهيمنة العالمية في القرن الحالي.