
نظم مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، بالتعاون مع مركز إيجيبشن إنتربرايز للسياسات والدراسات الاستراتيجية ورشة عمل بعنوان ” الذكاء الاصطناعي في إفريقيا: بين الشراكات الاقتصادية والتحديات الجيوسياسية” بمكتبة القاهرة الكبرى.
جاءت الورشة في توقيت دقيق للغاية، حيث يشهد العالم تسارعًا غير مسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يضع القارة الأفريقية أمام فرص تاريخية للقفز التنموي ومخاطر وجودية تتعلق بالسيادة الرقمية والأمن القومي.
وخلال الورشة أشادت الدكتورة نرمين توفيق، مديرة مركز فاروس، بالتعاون الطويل بين المركزين، مؤكدة على أهمية الذكاء الاصطناعي على مستوي القارة ودولها، موضحةً أنه أصبح من الأدوات الأساسية التي نعتمد عليها، وأن تطوره المتسارع جاء على نحو غير متوقع مقارنةً بتطور أدوات الإنترنت الأخرى التي استغرقت وقتًا أطول.
وأكدت أن للذكاء الاصطناعي إيجابيات وسلبيات، إلا أنه لا ينبغي حصر النظر في الجوانب السلبية فقط. كما أشارت إلى قدرته على تغيير مسار الدول، وقدمت النصح والإرشاد للباحثين المتواجدين، والمتدربين حول أهمية هذه التكنولوجيا وخطورتها في الوقت نفسه، لافتةً إلي أنها أداة مهمة في المجال البحثي، فهي تدعم الباحثين وتزوّدهم بالمصادر، مع التأكيد علي أنها أداة مساعدة وليست بديلة ولا يجب الاعتماد عليها اعتمادًا كاملًا في إعداد الأبحاث.
وحذرت من أن الذكاء الاصطناعي قد يتحول إلى أداة استعمار رقمي جديد إذا لم نملكه بأيدينا.
وفي الجانب الأمني والعسكري، أوضحت أن الهجوم الذي شنّته إسرائيل على عناصر حزب الله تمّ عبر الهاتف، وهو ما انعكس على المشهد الإقليمي لعدة دول. كما أشارت إلى الاستخدام المكثّف للمسيّرات في الصراع الروسي–الأوكراني، بما يعكس حجم التحول الذي أحدثته هذه التكنولوجيا في ساحات الصراع.
فيما وصف محمد عبد الحليم، مدير مركز إيجيبشن إنتربرايز، اللحظة بأنها «معركة سيادة حقيقية لا تقل خطورة عن معارك الاستقلال في القرن الماضي»، مؤكدا أن القارة الأفريقية لا يمكن أن تظل مجرد سوق استهلاكية لتقنيات الآخرين، وأعلن عن مشروع طموح يقوده المركز: إصدار كتاب جماعي شامل بعنوان «الذكاء الاصطناعي في إفريقيا: رؤى استراتيجية، تحديات جيوسياسية، وخارطة طريق للسيادة الرقمية»، سيضم كل أوراق ومداخلات هذه الورشة بالإضافة إلى دراسات ميدانية جديدة، ليكون أول مرجع عربي-أفريقي متكامل يوثّق هذه اللحظة التاريخية ويُقدم للحكومات الأفريقية أدوات عملية لحماية مصالحها.
فيما أكدت الدكتورة لبنى غريب مكروم – مدرس القانون الدولي، جامعة السويس أن الذكاء الاصطناعي يشكل تحديًا جذريًا للنظام القانوني الدولي لأنه يتجاوز العنصر البشري تمامًا، ويعمل في فضاء سيبراني لا يعترف بالحدود الجغرافية التقليدية. فالقانون الدولي يقوم على مفهوم «الشخصية القانونية» القادرة على اكتساب الحقوق وتحمل المسؤوليات، وهو مفهوم لا ينطبق على الآلة، مما يجعل إسناد المسؤولية عن الأفعال (مثل الأسلحة الذاتية التشغيل التي تعبر الحدود دون رقابة بشرية) مشكلة معقدة للغاية. وأشارت إلى أن الأمم المتحدة بدأت بالفعل مراجعة القواعد القانونية الحالية.
وأوضحت أن التحدي القانوني أكبر حتى من التحدي الأمني أو الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والخصوصية. وانتقدت بشدة غياب أطر قانونية متخصصة في الاتحاد الأفريقي، حيث لا يزال يعتمد فقط على «استراتيجية القارة للذكاء الاصطناعي» (يوليو ٢٠٢٤) والميثاق الرقمي، وهما إطاران عامان جداً مقارنة بالتشريعات الأوروبية المتقدمة. ودعت إلى تجاوز التصنيفات الجغرافية التقليدية، وإنشاء أطر قانونية موضوعية (للمناخ، الصحة، التعليم)، كما أوصت بضرورة تبني تشريعات محلية شاملة تغطي جميع أنشطة الذكاء الاصطناعي، وإعادة النظر في المنظومة القانونية باعتبارها مشروعًا قوميًا، إضافةً إلى الدعوة لإجراء حوار وطني يضم المتخصصين الأمنيين والقانونيين لإعادة صياغة القوانين بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية. كما شددت على أهمية التعامل مع الذكاء الاصطناعي عبر كافة المستويات الدولية والقارية والوطنية، بدءًا من إطار دولي تقوده الأمم المتحدة، مرورًا بإطار قاري تقدمه إفريقيا برؤية قانونية موحدة تمكّنها من التأثير، وصولًا إلى الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في تنظيم الذكاء الاصطناعي ووضع القواعد القانونية المناسبة له.
وفي مداخلته، حدد الدكتور سمير رمزي – خبير جيوبوليتيكس الذكاء الاصطناعي أربع مكونات رئيسية يدور حولها التنافس العالمي: الرقائق المادية، البيانات، المعايير (التي تختلف بين الصين وأمريكا وأوروبا)، والكفاءات البشرية التي تتسابق القوى الكبرى على استقطابها. وأكد أن لا دولة تستطيع تطوير الذكاء الاصطناعي بمعزل عن العالم، لكن إفريقيا هي الأضعف عالمياً في مراكز البيانات (الغالبية في أمريكا والصين).
لكنه أشار إلى نقطة قوة فريدة: إفريقيا تمتلك أرضية خصبة للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، حيث تحتل كينيا المركز الثالث عالمياً (بعد الهند وباكستان) في الاستخدام اليومي لتطبيق ChatGPT بنسبة ٢٧%. وهذا يجعل البيانات الأفريقية كنزًا استراتيجيًا مطلوبًا بشدة من الشركات الأمريكية والصينية، مما يتطلب حذرًا شديدًا في الشراكات.
ورصد اللواء الدكتور أحمد النحاس – رئيس الهيئة الاستشارية بمركز إيجيبشن إنتربرايز خمسة مستويات للتعاون الأمني في إفريقيا (الاتحاد الأفريقي، التكتلات الإقليمية، قوة الانتشار السريع، المنظمات شبه الأمنية، التعاون الثنائي) وأكد أنها جميعًا تعاني عدم الجاهزية والفعالية بسبب الاعتماد الكلي تقريبًا على التمويل الخارجي. هذا الوضع أوجد «فراغًا أمنيًا» ملأته القوى الخارجية عبر قواعد عسكرية (مثل جيبوتي)، أو عبر الشركات الأمنية الخاصة، أو عبر الآليات المنبثقة عن القمم الدولية.
وحذر من أن التكنولوجيا المتقدمة في المجال الأمني والعسكري تمتلكها بالأساس الدول الغربية، مما يجعل أي اعتماد عليها في إفريقيا «اختراقًا زائدًا» للداخل الأفريقي. وأكد أن الهدف من دراسة الذكاء الاصطناعي في هذا المجال ليس الاستخدام المباشر، بل تقليص المخاطر وتجنب الوقوع في فخ التبعية التامة.




