أخبار

وصفهم بالطغاة.. نائب ترامب يشعل التوتر بين واشنطن وقادة أوروبا

في ساحة السياسة الدولية حيث تُحتسب الكلمات كما تُحتسب السيوف، أثار خطاب نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس في مؤتمر ميونخ الأمني موجة من الجدل الكبير.

لم يكن هجوم فانس موجهًا إلى أعداء تقليديين مثل روسيا أو الصين، بل اتهم أوروبا نفسها بكونها تهديدًا داخليًا أكبر، قائلًا إن الخطر الحقيقي يكمن في تراجع القيم الديمقراطية في القارة. تصريحات فانس فتحت جبهة جديدة من التوتر بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وسط استنكار وذهول من هذه التصريحات.

اتهامات بتآكل الديمقراطية في أوروبا

في كلمته بمؤتمر ميونخ الأمني يوم الجمعة 14 فبراير 2025، انتقد فانس بقوة ما وصفه بـ “التراجع الديمقراطي” في أوروبا، مستشهدًا بحوادث مثل إلغاء الانتخابات الرئاسية في رومانيا، ومحاكمة ناشط معارض للإجهاض في بريطانيا، واستبعاد سياسيين من أقصى اليمين واليسار في ألمانيا من المؤتمر ذاته. وأضاف أن أوروبا أصبحت أكثر انغلاقًا تجاه أصوات شعوبها، محذرًا من أن هذا يشكل تهديدًا أكبر من أي تهديد خارجي.

ردود فعل قادة أوروبا

لم تمر تصريحات فانس مرور الكرام، إذ وصف وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، هذه التصريحات بأنها “غير مقبولة”، مؤكدًا أنه لا يمكن تجاهلها. وأضاف: “لقد تم التشكيك في ديمقراطيتنا من نائب الرئيس الأمريكي، وهذا أمر غير مقبول تمامًا”. كما ردت كايا كالاس، رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، بسخرية قائلة: “أعتقد أننا قادرون على إدارة شؤوننا الداخلية بأنفسنا”، حسب تقرير لـ”شبكة رؤية الإخبارية”.

التشكيك في نزاهة الانتخابات الرومانية

من بين التصريحات المثيرة للجدل كان ما قاله فانس عن إلغاء الانتخابات الرئاسية في رومانيا، حيث رأى في ذلك محاولة لإقصاء مرشح غير مرغوب فيه. وكان قد ألغت المحكمة الدستورية في رومانيا فوز المرشح القومي كَالين جورجيسكو، وسط مزاعم بتدخل موسكو في حملته الانتخابية، رغم عدم وجود أدلة ملموسة حتى الآن. واعتبر فانس أن التذرع بمفاهيم مثل “المعلومات المضللة” أصبح وسيلة لحماية المصالح السياسية القائمة.

دعم أحزاب اليمين المتطرف

التصريحات التي أطلقها فانس لاقت دعمًا من حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، والذي يتوقع أن يحتل المركز الثاني في الانتخابات الألمانية القادمة. وقد أعربت زعيمة الحزب، أليس فايدل، عن تأييدها الكامل لما وصفته بـ “الخطاب الممتاز”، وهو ما أثار حفيظة السياسيين الأوروبيين الذين اعتبروا ذلك محاولة أمريكية لمنح شرعية لحزب يُصنف ضمن “التطرف اليميني”.

التجاهل الأمريكي للمحادثات مع موسكو

جاء خطاب فانس في وقت حساس، حيث كانت إدارة ترامب قد أعلنت عن بدء محادثات مباشرة مع روسيا بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، متجاهلةً العواصم الأوروبية. أثار هذا القلق بشأن تقليص الالتزام الأمريكي بالأمن الأوروبي، وظهرت رسالة فانس على أنها تحذير مفاده أن الدعم الأمريكي مشروط باحترام الدول الأوروبية للقيم الديمقراطية.

الهجرة والإرهاب في قلب الخطاب

لم يتوقف هجوم فانس عند السياسة الداخلية الأوروبية، بل امتد ليشمل ملف الهجرة، حيث ربط بين سياسات الهجرة الأوروبية والهجوم الذي وقع في ميونخ قبل يوم من كلمته، والذي نفذه طالب لجوء أفغاني وأسفر عن إصابة 36 شخصًا. وأشار إلى أن الحادث يعكس فشل السياسات الأوروبية في ضبط تدفق المهاجرين، مؤكدًا أن الناخبين في أوروبا يطالبون بوضع حد للهجرة غير المنضبطة.

اتهامات للاتحاد الأوروبي

في تصعيد آخر، وجه فانس انتقادات لاذعة لسياسات الاتحاد الأوروبي بشأن وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرًا أنها تسعى إلى “إسكات الأصوات المعارضة”. كما انتقد الحكومة البريطانية بسبب محاكمة رجل دين تم الحكم عليه بالحبس بسبب الصلاة قرب عيادة إجهاض في منطقة محمية حول العيادة.

مخاوف أوروبية

اختتم فانس خطابه بتساؤل حول الأساس الأخلاقي الذي يجب أن يستند إليه التحالف الأمني بين الولايات المتحدة وأوروبا، مؤكدًا أن “الأمن لا يتحقق في ظل الخوف من أصوات الشعوب”. ومع ذلك، اعتبر الدبلوماسيون الأوروبيون حديثه تهديدًا غير مسبوق، مقارنةً بذلك بخطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر ميونخ عام 2007 عندما حذر من تمدد الناتو شرقًا.

أثار خطاب فانس انقسامات حادة بين الولايات المتحدة وأوروبا، وأثار تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الطرفين في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة. وبينما يرى البعض أن فانس كان صريحًا في كشف تناقضات السياسات الأوروبية، يعتبره آخرون بداية مواجهة قد تعيد تشكيل التوازنات عبر الأطلسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى